✍️نبيه البرجي
📰 الــديار
▪️قد يكون علينا الاعتذار من هولاكو لما ارتكبه من فظاعات في العراق . مؤرخ الدولة العباسية موفق سالم الجوادي قال "ان الطرقات , والميادين , فاضت بدماء الرجال والنساء والأطفال . وكان البعض يعتصمون على سطوح منازلهم , فيلحق بهم الجنود ويذبحونهم , لتجري الميازيب بدمهم" . الاعتذار لأن ما فعله العراقيون بالعراقيين أشد هولاً مما فعله الغزاة المغول .
وقد يكون علينا الاعتذار من تيمورلنك لما ارتكبه من فظاعات في سوريا . قال ابن اياس , في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" عن حلب , لم يكن أمام المارة الا أن يطأوا على الجثث "حتى قيل أنه بنى من رؤوس القتلى عشر مآذن" . أما حين فتح دمشق "أحرق الجامع الأموي , وذبح سكانها جميعا , باستثناء الحرفيين والمهرة الذين نقلهم الى سمرقند لتزيينها واعمارها" . الاعتذار لآن ما فعله , ويفعله , السوريون بالسوريين , يتعدى بكثير ما فعله القائد الأعرج .
نعرف من هو , وما هو , أحمد الشرع , الذي يتعامل معه العرب والغرب على أنه بطل من أبطال التحرير والديمقراطية , منذ أن كان رجاله على السفوح الشرقية يدفنون جنودنا وهم أحياء . ولو تسنى لهم النزول الى المدن والقرى لتحولت الى مقابر . لكن الرجل نزع العمامة الأفغانية , وأحل محلها الطربوش العثماني , ليعد السوريين بجمهورية أفلاطون , ولكن بتكشيرة الحجاج بن يوسف . هل تغيير غطاء الرأس يعني تغيير الرأس ؟
لا أثر لرجاله (الأشاوس) في الجنوب السوري . يعلم أنه اذا ما بعث بواحد منهم الى هناك لما بقي للحظة في "قصر الشعب" . لا رصاصة , ولا كلمة , في وجه من يقضمون الأرض السورية . قضيته الآن مطاردة "فلول النظام" , وازالتهم وعائلاتهم من الوجود . هذا هو الاسلام السياسي الذي تجلى في "ابهى" صوره في الجزائر حين كان رجال "الجبهة الاسلامية للانقاذ" يقتلون الشرطي وذويه , وأبنائه , وحتى جيرانه . تماماً ما يحدث الان في مناطق الساحل السوري . لماذا هذه المناطق بالذات ؟ فقط لأن بشار الأسد ينتمي الى طائفة الأكثرية فيها .
الشاشات تتتحدث عن تحريره لسوريا . تحريرها من العلويين أم من الاسرائيليين ؟ قطعاً , لا ندافع عن بشار الأسد , ولا عما فعلته الأجهزة , بالأساليب الهمجية اياها . لكن الشرع قال بـ"دولة القانون" . ما يحدث في الشوارع , وفي الأزقة , من قتل عشوائي فاق همجية المغول . وكنا نتمنى لو حوكم من يوصفون بـ"فلول النظام" , وهم بالملايين , أمام القضاء , لا قتلهم أمام أطفالهم , في منازلهم , وأن يعلقوا على المشانق في ساحة المرجة , تماماً كما فعل جمال باشا السفاح .
على وقع صيحات "الله أكبر" (هل تصل الصيحات الى الله ؟) يتحول الساحل السوري الى جهنم . لاشيء يدعى "الرأي العام العالمي" . هناك فقط الرأي العام الغربي الذي وقف الى جانب اسرائيل في ابادتها لأهل غزة , بحجة أن الدولة العبرية تدافع عن أمنها , وعن وجودها . حتى أننا لم نسمع أي كلمة حول ما يحدث في سوريا من أنطونيو غوتيريتش , وهو العاشق لأفكار ابن بلده البرتغالي خوسيه ساراماغو حين يقول "من يقتل الأطفال كمن يقتل الأزهار , ومن يقتل الأزهار يقتل الملائكة" . هنا عبارة "الله أكبر" هي المفتاح المقدس للمقبرة .
لنتذكر قول الياباني ياسوناري كاوباتا (نوبل في الآداب) حين زار هيروشيما "لكأن العالم مات هنا" . الآن تموت سوريا . الطوائفية مثل القبائلية مصيبتنا الكبرى . هل كان أدونيس ونزار قباني ومحمد الماغوط وعمر أبو ريشة , وحنا مينا , يعرفون ما هي طوائفهم , ويعرف الناس ما هي طوائفهم ؟ ذلك النوع البربري من الاسلام السياسي هو الوباء العظيم . أنظروا الى وجوههم . هل هي وجوه كائنات بشرية حقاً ؟
وحين تموت سوريا , ماذا يحدث للبنان ؟ حالنا حال . حين تنعدم الثقة بين الطوائف , لتحل محلها الكراهية . كثيرون تحدثوا عن "حروب الآخرين على أرضنا" . لم يسألوا عن السبب . اكتفوا بالبريق اللغوي , والبريق السياسي , للعبارة . ما من سلطة في لبنان حاولت أن تنقلنا من ثقافة الطائفة الى ثقافة الدولة . نحن على أرضنا جاليات طائفية , وكل طائفة تابعة لمرجعية خارجية . ثم نتحدث عن حروب الاخرين على أرضنا . اللبنانيون , بكل طوائفهم , يقاتلون من أجل الآخرين .
في سوريا , طلبت السلطة الجديدة من العسكريين في المناطق العلوية تسليم اسلحتهم . وحين سلموها بدأ مسلسل القتل والخطف والتنكيل , وحتى الصرف من الوظائف ومنع الرواتب للموت جوعاً اذا لم تكن هناك طريقة اخرى للموت . طائفة بكاملها في قبضة ياجوج وماجوج .
هذا وقت للصراحة , لأقصى ما تقتضيه الصراحة . نخب شيعية ترى أن ما تتعرض له الطائفة . وليس فقط "حزب الله" أو البيئة الحاضنة , وفي ظل التبدل الدراماتيكي في التوازنات الداخلية , والاقليمية , يثير التوجس من السيناريوات الخاصة بنزع سلاح الحزب . مذبحة للشيعة على غرار مذبحة العلويين في سوريا ؟ تابعوا ما يحدث من الكابيتول في واشنطن الى أحاديث الظل (وتحت الثريات) في لبنان . هذا ما يريده الأميركيون , وما يريده الاسرائيليون .
حملة السكاكين الطويلة في لبنان وراء الباب ..